الأزمة التى تمر بها العلاقات المصرية السعودية، على خلفية اعتقال محام مصرى هناك، كانت اختباراً صعباً للصحف المصرية الصادرة فى الأيام الماضية، فهى من جهة لا تستطيع أن تنشر أخباراً خاصة بها تنفرد بها الصحف المنافسة بسبب انغلاق المجتمع السعودى، الذى هو هنا مصدر الأخبار، ومن جهة ثانية فإن تناقض الأخبار نفسها حول الموضوع وعدم وجود مصدر موثوق فيه، سواء أسرة المحامى نفسه أو مسؤولين مصريين فى السعودية، أو سعوديين فى القاهرة - يجعلان الصحف حائرة لأن أى مصدر من هذه المصادر لا يمكن الاعتماد على تصريحاته اعتماداً كاملاً فى قضية حساسة كهذه، ومن جهة ثالثة فإن حساسية علاقات الدولتين تفرض حدوداً للتغطية حتى لا تفسر بأنها حملات صحفية موجهة من دولة لأخرى، ولنا هنا تجربة سابقة تتعلق بأزمة العلاقات المصرية الجزائرية التى تسببت فيها التغطيات الإعلامية.

ولم تكن الصحف المصرية تستطيع أن تفعل مثلما فعلت صحف كبيرة مثل «الحياة» و«الشرق الأوسط»، اللتين تصدران فى لندن وبيروت بتمويل سعودى، حيث نشرت الأولى على مدى أسبوع كامل، وهى التى تهتم بالشأن المصرى، خبرين روتينيين فقط عن الأزمة أولهما يوم الثلاثاء والآخر الاثنين عن الموضوع، أما الثانية فتجاهلت الحدث تماماً مع أنها تخصص صفحتين على الأقل يومياً للشأن المصرى، وتضع لهما عنوان «مصر بعد ثورة 25 يناير»، وهذا الموقف من الجريدتين يؤكد حساسية الموضوع.

وقد أبرزت الصحف القومية الصادرة صباح يوم «الأحد» التصريحات الرسمية حول ما اسمته «الأزمة المصرية السعودية» المتمثلة فى قيام المملكة باستدعاء سفيرها فى القاهرة للتشاور بعد المظاهرات التى اندلعت أمام سفارة السعودية وقنصليتيها بالإسكندرية والسويس على إثر القبض على محام مصرى بتهمة محاولة تهريب المخدارات أثناء توجهه لأداء العمرة، وتجاهلت الصحف تناول الأزمة من وجهة نظر المتظاهرين أمام السفارة أو المتضامنين مع المحامى، ومن جانبها كانت «روز اليوسف» هى الجريدة الوحيدة التى تحدثت عن «دور خفى» لإيران فى الأزمة القائمة.

نشرت جريدة «الأهرام» فى صدر صفحتها الأولى تقريراً عن الأزمة بعنوان رئيسى «السعودية تستدعى سفيرها للتشاور.. وطنطاوى يجرى اتصالاً مع الملك عبدالله»، متبوعاً بعناوين فرعية «المشير وخادم الحرمين: ما يجمع العلاقات بين البلدين أكبر من أن تعكره أى أحداث طارئة»، و«مجلس الوزراء يستنكر المظاهرات.. وعمرو والفيصل يؤكدان حماية مصالح الشعبين»، ونشرت الجريدة مع التقرير صورة من أمام السفارة السعودية يظهر فيها أفراد من القوات المسلحة يسحبون شاباً يرتدى زياً مدنيا فى اتجاه قوات الأمن المركزى، فيما يحاول مدنيون آخرون استعادته من بين أيديهم، وكتب تحت الصورة «عناصر من الجيش تتعامل بحزم مع المتظاهرين أمام السفارة السعودية».

وفى الصفحة الثالثة نشرت الجريدة خبراً بعنوان «زوجة الجيزاوى تعود من السعودية وتؤكد أنها كانت تتمتع بمعاملة جيدة»، نشرت فيه تصريحات على لسان شاهندة فتحى، الزوجة، تتحدث فيها عن حسن المعاملة التى تلقتها فى السعودية والشكر الذى توجهه لوسائل الإعلام، وذلك على نقيض ما نشرته الصحف الخاصة من تصريحات لزوجة «الجيزاوى» تحدثت فيها عن «فبركة» القضية لزوجها فى المطار، وفى الصفحة السابعة نشرت الجريدة تقريراً بعنوان «بعد قرار الرياض إغلاق سفارتها وسحب السفير.. قيادات حزبية وسياسية تعبر عن أسفها وتحمل الإعلام المسؤولية»، وذلك على الرغم من أن قرار المملكة لم يكن «سحب» السفير ولكن «استدعاؤه».

جريدة «الجمهورية» اكتفت بمانشيت فى الصفحة الأولى: «السعودية تستدعى سفيرها وتغلق سفارتها بالقاهرة وقنصليتى السويس والإسكندرية» متبوع بعنوان «المشير يجرى اتصالاً مع خادم الحرمين لاحتواء الأزمة»، محيلة التفاصيل إلى الصفحة الداخلية حيت نشرت خبراً بعنوان «السعودية تستدعى سفيرها وتغلق سفارتها بالقاهرة» وآخر بعنوان «فى اتصال هاتفى مع خادم الحرمين: المشير طنطاوى يؤكد عمق العلاقات المصرية السعودية»، وتقريراً صغيراً بعنوان «القوى السياسية: نرفض التصعيد والإساءة للعلاقات مع السعودية.. نهيب بخادم الحرمين إعادة النظر فى القرار»، وفى صفحة أخرى استمرت متابعة الجريدة للأزمة من خلال الأخبار التى جاءت بعناوين «مصر تدين التصرفات الفردية غير المسؤولة ضد سفارة السعودية.. كل الحب والتقدير للشعب السعودى الشقيق وخادم الحرمين الشريفين»، «اتصالات دبلوماسية عالية المستوى بين القاهرة والرياض»، «طائرة سعودية خاصة لنقل السفير»، «زوجة الجيزاوى لدى وصولها مطار القاهرة: زوجى برىء ومحام سعودى يتولى الدفاع عنه»، «السفير المصرى قطع إجازته لمتابعة التحقيقات.. رصد نشاط الجيزاوى.. الدفاع عن المعتقلين المصريين بالسعودية.. الخارجية ونقابة المحامين تفران الضمانات القانونية لاتهام المخدرات»، و«خبراء الدبلوماسية المصرية لـ(الجمهورية): رد الفعل السعودى كان قويا باستدعاء السفير قطان ونتمنى تجاوز الأزمة».

جريدة «الأخبار» فعلت مثل «الجمهورية» وكتبت فى الصفحة الأولى مانشيت «أزمة عابرة مع السعودية» متبوعا بعنوان «المملكة تستدعى سفيرها وتغلق سفارتها.. وخادم الحرمين يعد المشير بإنهاء الأزمة خلال أيام»، فيما نشرت التفاصيل فى الصفحات الداخلية بعناوين «السعودية تستدعى سفيرها بمصر للتشاور وتغلق السفارة والقنصليات.. المشير يجرى اتصالا بخادم الحرمين والملك عبدالله يعد بفتح السفارة وإعادة السفير قريباً.. الحكومة تأسف للأحداث أمام السفارة والأحزاب تؤكد تقدير مصر لخادم الحرمين والشعب السعودى»، «السفير السعودى: حزين لتطور الأمور.. والحديث عن عودة السجناء المصريين فى توابيت كلام فارغ»، «عمرو والفيصل: العلاقات بين البلدين راسخة وسنتجاوز الحوادث العارضة.. وزير القوى العاملة يطمئن على الجالية المصرية بالسعودية بعد استدعاء السفير من القاهرة»، «قنصلية جدة: الجيزاوى كشف عن شبكة لتهريب المخدرات»، «أكدت براءة زوجها من جميع الاتهامات: زوجة الجيزاوى تتهم الخارجية المصرية بالتقصير»، «الحرية والعدالة: ندعو السعودية لإعادة النظر فى قرار غلق السفارة»، «المستشار القانونى للسفارة السعودية: استدعاء السفير وغلق القنصليات منعا لتصعيد الموقف».

جريدة «روز اليوسف» قدمت تغطية مختلفة للأحداث اقتصرت على تقرير صغير فى الصفحة الأولى تحت مانشيت «السعودية تتراجع عن إغلاق سفارتها بالقاهرة» الذى أتبعته بعنوان «الدور الخفى لإيران فى الأزمة المصرية السعودية» وفى تفاصيل التقرير كان الحديث عن الدور الخفى لإيران مقتصرا على فقرة واحدة كتب فيها «فى هذه الأجواء يرجح أن ما بثته قناة العالم الإيرانية عن مطاردة المتظاهرين للقنصل السعودى محمد أمين هو الذى عجّل بقيام السعودية بتعليق أعمال بعثتها الدبلوماسية بالقاهرة وسفر السفير السعودى أحمد قطان للتشاور مع الدائرة الملكية منذ صباح الثلاثاء ».